يتمتع «الودمة» بشعبية واسعة بين سكان محافظة الأحساء، فيما يجدأبناء المناطق الأخرى من المملكة صعوبة بالغة في تناول هذا الطبق المكون من أسماكصغيرة مجففة، تضاف لها بهارات من نوع خاص. ويروي منصور المحمدي، وهو من سكان مدينةالرياض، قصته مع هذا الطبق أثناء زيارته محافظة الأحساء، قبل عامين، إذ طلب منصديقه حسن الصويلحي، أن يعد له أطباقاً شعبية تشتهر بها الأحساء، وبخاصة على مائدةالإفطار، حتى تواكب زيارته القصيرة له، وفي نيته أن يتعرف على ثقافة الموائد فيالمنطقة، خصوصاً بعد معرفته المسبقة من أن سكان الأحساء ما زالوا يتمسكون بالموروثالشعبي، خصوصاً في الموائد. واستجاب الصويلحي لصديقه، وأعد له إفطاراً شعبياً منأطباق متنوعة، إلا أن المحمدي وقعت عيناه على «طبق يشبه الحساء، وتظهر فيه أسماكصغيرة مجففة»، ولم يستجب المحمدي لنصح صديقه، بـ»عدم التسرع بتجربة هذا الطبقبالتحديد»، ويقول: «قادني فضول التجربة للمجازفة، وبدأت بأكل محتوى الطبق، وسط ضحكمن كانوا على المائدة. وبعد فترة قصيرة أصبت بنزلة معوية حادة، وإسهال مفرط، ودواروغثيان، ما اضطر صديقي لأخذي إلى المستشفى، والسبب تلك الأكلة الشعبية، التي لمأعرف قوة تأثيرها».
ولا تمنع رائحة «الودمة» القوية، وتأثيرها المباشر علىالمعدة، محبيها من الاجتماع حولها، وتعرف هذه الأكلة في مملكة البحرينبـ»المهياوة»، وتستوجب إعدادها طقوس خاصة لم تتغير، فإعدادها يتم من خلال خطواتشعبية تتبعها العائلات في الأحساء التي تجمعها «الودمة»، ولو مرة في كل عام. ويصفهامسلم محمد بـ»أكلتي المفضلة»، ويقول: «أحرص على تناولها أكثر من مرة في السنة، إذأنها لا تؤكل بكثرة، لقوة تأثيرها على الجهاز الهضمي، فهي تعمل على تنظيفه بصورةسريعة». وتبدأ طقوس إعدادها بتجهيز مكوناتها مساءً، ومنها السمك الصغير المجفف،الذي يُطلق عليه «الحساس» إلى جانب «الترنج»، وهو نوع من الحمضيات الكبيرة، والفجلأو الخس، والتمر، والفواكه، والملح، واللبن. ويضيف مسلم «نجتمع في الصباح الباكر فيالمزرعة، أو في بيت العائلة، ويبدأ العمل على إعداد الطبق، فالبعض يفصل رؤوسالأسماك عنها، والبعض الآخر يفضل الأسماك كاملة، ثم تدق جيداً، ويمكن أن تترك كماهي، وتوضع في إناء ويسكب عليها القليل من الماء، لتكوين الحساء، ثم يعصر الليمونفوقها، ويضاف الملح، وتخلط جيداً ويمكن أن تعجن باليد». ويقدم هذا الطبق فوقالمائدة إلى جوار التمر، أو الزبيب المجفف، والفجل أو الخس، الذي سيكون أداة للأكلفيما بعد، وصحن الفواكه، والعصير الطازج، واللبن، والأخير يعمل على تخفيف حدةالحموضة في هذه الأكلة. ويتحدى عبد الإله العاشور «كل من هم خارج الأحساء، بأنيحاولوا تجربة هذا الطبق الخاص، لأنه تجربة قوية ومميزة، فمن يتناوله للمرة الأولىغالباً ما يصاب بإسهال ودوار وغثيان، إلى جانب الخمول، وآلام حادة في المعدة، لكنهاومع ذلك تحمل قيمة غذائية عالية»، مضيفاً «تمنح هذه الأكلة القوة، وتزيد في التحمل،وتقضي على البكتيريا والميكروبات، إلا أنها مع ذلك تتميز برائحة مزعجة، تؤثر علىأجواء المنازل، إذ تبقى الرائحة ساعات طويلة، وهذا ما يدفع عائلات إلى تناولها فيالمتنزهات، أو المزارع، أو في مكانمكشوف
».